الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

الحب في زمن الكوليرا

لعل من اكثر المفاهيم التي تتمرد على النظريات ولا تعترف بمفهوم محدد هو تفسير معنى " الحب "
فالحب تضحية وخيانة ووفاء وكبرياء وتواضع وخضوع وتمرد وعنفوان ودافع وتراجع و بكاء وابتسامة و ..و..و..
لا تنتهي المرادفات التي تندرج في موسوعة معاني الحب وتفسيره .
فالكل يفهم الحب حسب بيئته وحسب الارهاصات التي تمر في مشوار حياته فالانسان الرومانسي يصف الحب بأنه شيء لا يستطيع البشر التعايش من دونه, اما الانسان الحدي الجدي يصف الحب بالتفاعلات الكيميائية التي تمر بالانسان في فترة ما وسرعان ما تخمد هذه المعادلة الكيميائية وتذوي وتضمحل ويصبح الحب عبارة عن عرف اجتماعي لا اكثر ولا اقل ..
انا هنا لست بصدد الانحياز لرأي محدد بل اريد تسليط الضوء على بعض الايحاءات التي يتركها هذا الاحساس الغريب العجيب الذي يصيب الانسان من لحظة ميلاده حتى لحظه دفنه في مقبرة النسيان ..
سأستعين في موضوعي هذا برواية + فلم Love in the Time of Cholera " الحب في زمن الكوليرا "
للكاتب الرائع الحائز على نوبل للاداب غابريل غاريسيا ماركيز


http://media.movieweb.com/news/12.2007/lovedvd.jpg

ابصرت هذه الرواية النور عام 1986 وقد رفض ماركيز كل العروض التي جاءته للقبول بتحويل الرواية الى فلم سينمائي وماركيز معذور فكثير من الروايات العظيمة فشلت السينما في بلورتها وشرح مكنوناتها وايحاءاتها الفلسفيه وقتلت فيها الحس الانساني وتعود اسباب ذلك لاسباب تجارية بحته بينما في المقابل نجحت السينما ايضا في تحويل روايات اخرى الى افلام عظيمة تغلبت على نفسها كفلم " زوربا اليوناني " للكاتب الكبير " نيكوس كازانتاسكيس" ..
في النهاية وافق ماركيز على تحويل رواية Love in the Time of Cholera لفلم بعد الحاح شديد من معجبيه والرموز الادبية في بلاده ..
نعود لمحور موضوعنا فلم " الحب في زمن الكوليرا " وسوف ابتعد عن تسليط الضوء عن الرواية لانها اكبر من ان اعطي اراء فيها , قام بدور البطولة في هذا الفلم الممثل الاسباني خافيير باردم الحاصل على عده جوائز عالمية منها الاوسكارلافضل ممثل ثانوي وكذلك جوائز جوبا ..

http://www.abc.net.au/reslib/200805/r250227_1027502.jpg

وشاركته البطولة الممثلة البرازيلية الجميلة " جيوفانا ميزوغيرون "

http://www.collider.com/uploads/imageGallery/Love_in_the_Time_of_Cholera/love_in_the_time_of_cholera_movie_image_giovanna_mezzogiorno__3_.jpg


تدور احداث الفلم في قرية كاريبية على نهر ماغادارينا في كولومبيا ابان انتشار مرض الكوليرا فيها مابين عام 1880 وعام 1930
بمعنى ان القصة تدور احداثها في خمسين سنة وبعض الايام وبعض الدقائق وبعض الثواني ...
تتمحور احداث الفلم في العاشق الابدي " فلورنتينو إريثا " الذي احب تلك الفتاة المخملية الناعمة الجميلة العنيدة " فيرمينا داثا "
فلورينتينا يقدم لنا النموذج المثالي للهيام الذي اصاب الكثرين بالجنون في تراثنا الشرقي مثل مجنون ليلى ومجنون بثينى وغيره من قصص الغرام التي يكون من اهم اسباب تخليدها هو الفشل في نهاية سعيدة ..
فلورنتينو يعشق فيرمينا من اول نظرة لكنه يكتشف انه يحبها من طرف واحد فهذه الجميلة وبالرغم من كل شيء تعتبر الشيء تحصيل حاصل وتفاعل كيمائي سيزول مفعولة عاجلا ام اجلا كما اسلفنت اعلاه , وعلى النقيض منها كان فلورنتينو يؤمن بأن الحب شيء لا يمكن ان تستمر الحياة من دونه لذلك سوف يطرح الفلم النظريتين اللتان يناديان بها شخصيتي الفلم فلورنتينو وفيرمينا ..
فيرمينا تدرك ان الحب وحده لا يكفي ويجب ان يكون العقل حاضرا في اختيار شريك الحياة فالحب في نظرها مركز اجتماعي وثراء لان هذا ما تربت عليه في بيئتها الارستقراطية , بينما كان فلورنتينو الفقير اسير بيئته المؤمنة بالحب والتي راحت امه ضحية لهذا المفهوم بعد ان مارست الجنس مع عشيقها الذي تركها واثمرت هذه العلاقة عن ولادة فلورنتينو ..
حين يدرك فلورنتينو ان الحب من طرف واحد تنهار كل الاحلام الوردية التي رسمها في خياله ويعيش دوامة حزن تجعله يبكي احيانا دون الاكتراث لتكوينه الذكوري الرجولي ولعل هذا اكثر ما شدني في الفلم ,, ولان فيرمينا اختارت بعقلها وليس بقلبها لذلك يقع اختيار شريك الحياة على طبيب مرموق ارستقراطي والذي احبها كذلك ولكن بنسبة مغايرة عن حب فلورنتينو لها ..
وكأي عاشق يدرك فلورنتينو ان الهروب هو الحل لينسى حبيبته ولكن الهروب هذه المرة كشف له عن حقيقه غابت عن فكره الا وهي " ممارسة الجنس من اجل النسيان " ولعل مفهوم الجنس هنا اخذ طابعا مغايرا عن معناه الحقيقي لكنه اسهم بخلق وسيلة ناجعة للتغلب على اليأس العاطفي فكان فلورنتينو يمارس الجنس مع اكبر عدد ممكن من النساء ليثبت لنفسه انه مازال انسانا وكذلك لينسى ولكن هيهات ...
بعد سماع اخبار ان حبيبته تعيش بسعادة مع زوجها وانها انجبت اطفال يزداد اليأس لديه ولكن اليأس هذه المرة يخلق تساؤل في كوامن فلورنتينو .. هذا التساؤل " لماذا لم تحبني فيرمينا كما احببتها ؟ "
وهنا تتحول احداث الفلم بعد ان يعرف فلورنتينو الجواب فقد كان السبب برأيه انه غير ثري لذلك يعتزم ان يكون ثريا فيمزج موهبته في كتابة الشعر مع متطلبات التجارة وبمساعدة عمه يصبح فلورنتينو مديرا لاكبر شركة ملاحة في المنطقة ..
من جانب اخر تنكشف سلبيات زوج فيرمينا الطبيب والذي يموت الحب كيميائيا لديه فيصبح زوجه بها عبارة عن رابطة اجتماعية ارستقراطية لكن موت هذا الحب من الطرفين لم يجعل فيرمينا تتخلى عن زوجها رغم اكتشافها اياه يخونها مع امراءة اقل جمالا منها ولكن اكثر شبابا ..
لعل اكثر ما يدعوك اليه الفلم هو السؤال عن تفكير فلورنتينو وماذا يريد هذا العاشق الذي ربح كل شيء ما عدى حبيبته ؟؟
وهنا تكون الصدمة فالجواب يكون على لسان فلورنتينو " سانتظر زوجها الى ان يشيخ ويموت ومن ثم اتزوجها "
هل هذا الانسان عاقل ؟؟ ام مجنون ؟؟ ينتظر زوج حبيبته الى ان يشيخ ويموت ليحضى بحب حياته , ولكن مهلا كم سنة ستتطلب هذه الامنية ؟ سنة سنتين خمس عشر ؟؟؟
تطلب الامر 51 تقريبا ليموت زوج فيرمينا ولكن هل ستقبل هي بـ فلورنتينو بعد كل هذه السنوات وبعد ان ملئت التجاعيد جسدها من اخمص القدم الى اعلى الرأس ؟
هنا تتجلى الحبكه والفلسفه التي نادى بها الفلم فالحب ليس تفاعل كيميائي له وقت محدد وينتهي والحب كذلك هو ليس قصائد غرام ومعدة فارغة والحب ليس ثراء وعاطفة فقيرة .. الحب كل هذه الاشياء مجتمعة لذلك فالحب لا يمتلك تفسيرا محددا ولا مساحة محددة نستطيع فيها حصرة وتعريفه .. فالكل يستطيع ان يفسره ولكن بطريقته الخاصة

http://www.smartcine.com/images/love_in_the_time_of_cholera_still.jpg


يبقى ان تشاهدوا الفلم لتعرفوا كيف تفسرون هذا الحب وهذا الاصرار الذي استمده فلورنتينو من بيئته التي اصابتها الكوليرا
الكوليرا هذا المرض الذي منح للعاشق عالما عاش لاجله 50 عاما من عمره ..


http://hissip.files.wordpress.com/2007/11/love-in-the-time-of.jpg


اخيرا لي ملاحظة مهمة على الانتقادات العديدة التي تعرض لها هذا الفلم الرائع ..
الرواية الاصلية للفلم تجعل من يقراها يعيش في خيالات جميلة تندرج في الحياة الكاريبية حيث رائحة البحر والازياء اللاتينية زاهية الالوان مما يجعل القاريء يعيش في عالم اخر , وبالطبع فالفلم سيفتقد لمثل هذه الميزة لانه يجسد كل تلك التصورات عبر لغة الصورة مما يوقف الخيال الانساني الفضولي في سبر اغوار الكلمات ..
كما ان بعض النقاد العرب انتقدوا الفلم لانه يحتوي على مشاهد جنسية فاضحة وماكان للفلم ان يوصل الفكرة لولا هذه المشاهد والتي تكون في احيان كثيرة محورا اساسيا في السرد وبرايي ان الفلم لم يصنع لنا نحن العرب ضيقي الافاق بل صنع لكل من يعشق الحب والجنس الذي يكون حلقة اساسية في مسلسل الحب الانساني العظيم ....



هناك 7 تعليقات:

  1. عزيزي أفياء

    هذه القصة تكررت وحصلت بالفعل ,,,

    قبل عدة أيام سمعت في الأخبار تقرير عن جدار برلين , وتكلم التقرير عن شاب وفتاة فرقهم الجدار بين الشرق والغرب , وبقي الإثنان يذكران أيام عشقهما القديم , حتى إذا ما انهار الجدار بدأت المرأة العجوز تبحث عن حبيبها الأول , واستطاعت أن تهتدي له بعد ذلك بثلاث سنين

    هذه القصص لن يفلح الدين في روايتها , فما يهم الإسلام هو أن يخيفنا من البعبع الإلهي وعذاب القبر والجحيم

    دعنا نتمتع بإنسانيتنا ودعهم في غيهم وجهالتهم


    تحياااااااااااتي لك


    ودمت سالما

    ردحذف
  2. مرحبا عزيزي سهران
    نظرة الاسلام للحب نظرة سوداوية فالحب محرم ولكن بشكل غير مباشر فالحب يحتاج للخلوة ولسماع الاغاني التي توقد نار العشاق وهذه الاشياء حرمها الاسلام بشكل قاطع ..
    اذن فالاسلام ضد الحب وضد المشاعر الانسانية
    لذلك فالملحدين واللادينيين تجدهم متحررين عاطفيا وانسانيا لذلك فهم يبدعون ويبثون في الحياة عبق الامل والعشق الانساني الذي لم ولن تستطيع اي ديانة القضاء عليه فالحب اقوى من كل ظلامهم وتخلفهم ..

    تحياتي

    * يوسف *

    ردحذف
  3. أخي في الانسانية أفياء :

    لست هنا لأجادل فليس هذا المكان المناسب ، لكن
    أريد لفت نظرك الى عدم منطقية انتقادك لتحريم
    الاسلام للأغاني و الخلوة ، حيث عليك أن تناقش
    وتجادل في الأفكار الكلية لا في الجزئيات .

    الاسلام حرم الخلوة والأغاني لانه يحمل فكرة تحريم
    الزنا ، والذي هو بدوره أحد التفاصيل ضمن
    الفكرة الكلية التي تدور حول الحساب بعد الموت

    فلو " سلمنا " بوجود الحساب بعد الموت ، يكون
    حينئذ تحريم الزنا نتيجة طبيعية لذلك ، فالوصول
    إلى الجنة يتضمن - ضمن تعاليم الاسلام - طاعة الله
    وبالتالي البعد عن الزنا وبالتالي البعد عن
    الأغاني

    اذن ، انا اتفهم جدلك حول وجود الله من عدمه
    وجدلك حول صحة الأديان أو كذبها ، فهذه أفكار
    كلية توصلنا الى نتائج سليمة حين نقاشها ، بينما
    النقاش في التفاصيل كالأغاني والحب لا يوصل لشيء كثير

    تحياتي

    ردحذف
  4. مرحبا علي

    لا اعرف حقا سر ربط الزنى بالاغاني بمفهومكم ؟؟
    لم اذكر يوما اني سمعت اغنية ساهمت في اثارتي جنسيا بل ان الاغاني تثيريني عاطفيا وانسانيا فبعضها يفرحني وبعضها يبكيني وبعضها يمنحني الامل ..
    من المستغرب ان كل عمل يميزنا عن الحيوانات يقوم الاسلام بتحريمه مثل سماع الاغاني وشرب الخمر وحتى التبول وقوفا
    شكرالزيارتك علي

    ردحذف
  5. دعك من ذلك ، فقط ناقش في الكليات واترك الجزئيات

    بالمناسبة تعجبني الموسيقى في الموقع..
    ان كنت انت من اختارها فربما ستعجبك معزوفة
    moonlight لـ Beethoven أو La serenissima
    لـ Loreena Mckennitt


    Ali

    ردحذف
  6. اهلا علي
    اسعدني معرفة ان الموسيقى اعجبتك وهي من اختياري , هل تقترح استبدالها ؟

    ردحذف
  7. الأمر راجع لك لكن كما قلت فهي جميلة..

    انا فقط اقترحت عليك بعض المقطوعات بناء على

    اختيارك لهذه المقطوعة..

    ردحذف